يذكّر اسم مدينة الإسكندرية المصرية خارج الشرق الأوسط بصور منارة المدينة، التي هي إحدى عجائب العالم القديم السبع، أو بمكتبة الإسكندرية القديمة. وترمز كلٌّ من المنارة والمكتبة إلى عصر ذهبيٍّ للثقافة والمعرفة. وإذا ما وضعنا الصرحين التاريخيين جانباً، نرى أن الغرب نظر إلى هذه المدينة الساحلية كواحة للتسامح الديني والثقافي والسياسي، وكملاذ كوزموبوليتاني (عالمي) حقيقي، لكنه يختفي. وتستعيد وسائل الإعلام الناطقة باللغة الإنكليزية اليوم، وعلى نحو متكرر، صوراً مشابهة غامضة عن ماضي الإسكندرية. فالأحاديث عن المدينة تبدأ بوصف كوزموبوليتانية “سابقة” أو “كوزموبوليتانية كانت موجودة مرة”. أما النبرة فهي “نبرة حنين” بشكل متواصل إلى هذه الكوزموبوليتانية المتلاشية، وهو حنين تتم مقارنته مع “صعود السلفية” في الإسكندرية، الهوية الدينية المرتبطة بالمدينة منذ الثورة المصرية في 2011.
حين نفكّر بهذه الخطابات الرائجة عن الإسكندرية، والتي ينشر معظمها “غرباء” عن المدينة، وتبزغ داخل المدينة أيضاً على نحو متقطّع، (1) ينبغي أن نطرح عدة أسئلة كي نفكك هذه التصويرات: هل سبق أن كانت الإسكندرية كوزموبوليتانية، وهل ما تزال هكذا اليوم؟ ولماذا هناك ميل لمجاورة حقبتين تاريخيتين متخيلتين للإسكندرية (“الماضي الكوزموبوليتاني السابق” و”الحاضر السلفي”، على حساب فترات تاريخية أخرى؟ أعالج هذه الأسئلة فاحصاً صور إسكندرية كوزموبوليتانية في الأدب الغربي، ومقارناً هذا الوصف مع استبصارات جمعتُها من فترات مطوّلة من الوقت قضيتها في الإسكندرية منذ ثورة 25 يناير، ومن عمل باحثين آخرين اقترحوا طرقاً بديلة لتعريف الكوزموبوليتانية الإسكندرانية.
تتسم جماعة كوزموبوليتانية، أو مكان كوزموبوليتاني، بتبادلات ثقافية ذات طابع تعددي، وتسامح وشعور مشترك بالانتماء إلى جماعة كونية، مما يقود غالباً إلى ازدهار الحياة الفكرية والفنية. وتتوضع رؤية كوزموبوليتانية في قلب كثير من الأعمال الأدبية التي غذّت الخيال الغربي حول الإسكندرية، مثل كتاب إي.م. فورستر “الإسكندرية: تاريخ ودليل” (1922)، وأشعار قسطنطين كفافيس (تقريباً من 1891- 1904). وصوّرتْ رواية “رباعية الإسكندرية” (1957- 1960) المشهورة للورانس داريل، على نحو مشابه، حياة الكوزموبوليتيين التي صاغتها بيئتهم، والذين كانوا يتنقلون من حفلات الرقص الجميلة في فندق سيسل إلى حفلات العشاء في الأتوال، ومن قصص الحب في شقق الدبلوماسيين والمفكرين الأوربيين إلى عوالم المتعة في المواخير على شاطئ البحر.
إن القصص الأدبية أرشيف خيالي ويجب ألا تُعدّ أنثروبولوجيا أو علم اجتماع. مع ذلك، عاش المؤلفون الثلاثة في المدينة: كان كفافيس إسكندرانياً من أصل يوناني، وعمل إي.م. فورستر في الإسكندرية مع الصليب الأحمر أثناء الحرب العالمية الأولى، وعاش داريل في المدينة لمدة أربع سنوات في أواخر الأربعينيات. كانوا ضمن هذا الجو. وليست الطريقة التي يصورون بها الإسكندرية خيالية فحسب، بل متعلقة بالسيرة ذاتية أيضاً في بعض النواحي. وقد أغنت هذه الأعمال الأدبية الخيال الغربي عن الإسكندرية (حققت روايات داريل أفضل المبيعات وأعيدت طباعتها عدة مرات)، لكن تصويرها لكوزموبوليتانية الإسكندرية يجب ألا يُعتمد كتمثيل لكيف جرب معظم سكان المدينة المدينة الساحلية، أو على نحو أسوأ، يجب ألا يُنظر إليه على أنه يشمل كل الجماعات التي دعت هذا المكان وطناً.
في الحقيقة، إن العرب (2)، مغيّبون في هذا التصوير الكوزموبوليتاني. ففي رباعية داريل، ما يدعى بـ“الحي العربي” هو مكان القاذورات حيث يعيش أشباه بشر يتضورون جوعاً. ذلك أنّ دارلي، الشخصية المحورية في الرواية، يتنزه في “الشارع المظلم الملطّخ بالعرب”.(3). وحين يسمع العربية، تبدو غير مألوفة، وتُنطق بصوت نشاز مليء بـ “التعنيفات”. بالإضافة إلى الذين أشير إليهم بأنهم “عرب”، تتضمن روايات داريل وصفاً موسّعاً لعاهرات سوريات، استؤجرن ليمتّعْن الدبلوماسيين والمفكرين الأوربيين الفقراء، وأحياناً اتُّهمْنَ بأنهنّ سبب “الأمراض التناسلية” التي تنتقل بسرعة. ما يشار إليه بأنه”كوزموبوليتانية” في هذا السياق إقصائي ضمنياً، ومتأصل في الطرق الاستعمارية في رؤية “الآخر”. إنه موزاييك من المتع الأوربية والطبقية الليبرالية التي تخفي أغلبية عربية تمر أنشطتها دون أن تُلاحَظ، والتي يُحط من قدرها ـ حين يقر بها بشكل وجيز ـ وتوصف بأنها قذرة. إن الكوزموبوليتانية محدودة في مداها، ومحملة بالدلالات الإثنية والطبقية.
[أحد الشوارع المزدحمة في حارة العطارين، الإسكندرية. تصوير محمد قطب.]
[لقطة لمطعم ديليس في الإسكندرية الذي افتتح عام 1922. تصوير محمد قطب.]
ينظر هؤلاء المؤلفون إلى “الكوزموبوليتانية الأوربية” كمتلاشية فيما هم يجربونها. ويرى خالد فهمي أن الإسكندرية رُبطتْ على الدوام بـ “الخسارة” في الخيال الغربي، واعتُقد أنها في حالة تدهور دورية. ويذكر فهمي كيف أن إي.م. فورستر في كتابه “الإسكندرية: تاريخ ودليل” يحمل مسؤولية هذه الخسارة للفتح “العربي” لهذه المدينة في 682. وتنظر هذه القراءة المتمركزة أوربياً للتاريخ إلى الفتوحات كبداية “ألف عام من الصمت”، ألفية مظلمة يُعتقد أن حكم الخديوي العثماني محمد على باشا (الذي حكم من 1805 إلى 1848 ) قاطعها لمدة وجيزة. أما الفترة الطويلة الممتدة بين 682 و1805 فهي ممحوة من التاريخ، فيما حُطَّ من قدر العهود الفاطمية والأيوبية والمملوكية والعثمانية الأولى على أنها غير ذات صلة. إن ما دعي بالكوزموبوليتانية عادت بالتدريج إلى المدينة ووصلت إلى أوجها أثناء الاحتلال البريطاني لمصر. لهذا السبب، يُذكر النصف الأول من القرن العشرين، إعادة تأهيل المشروع الاستعماري، من أجل التسامح مع اليهود واليونانيين والطليان والأوربيين الآخرين، وينتهي، بحسب هؤلاء الرواة، مع مشروع ناصر السياسي. ففي فيلم وثائقي لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) يعود إلى عام 1977 عنوانه “روح المكان”، يعود داريل إلى المدينة، ويندب الموجة الثانية من الكوزموبوليتانية التي انتهت. ويشير فهمي أن داريل شجب الإسكندرية لأن الحياة الثقافية غادرتْها معبراً عن مخاوفه من “أن ثورة ناصر الاشتراكية القمعية دمرت المدينة”.
بعد عقود، واصل الصحفيون والكتاب استحضار ما يدعى بالكوزموبوليتانية التي صورها أولئك المؤلفون. لكن اليوم، بدلاً من لوم مشروع ناصر القومي والاشتراكي على فقدان الكوزموبوليتانية، يحمّلون الصعود المفاجئ للسلفية المسؤولية عن ذلك. وتهيمن هذه الثنائية الجديدة على التغطية الغربية للإسكندرية في وسائل الإعلام. ذلك أن جيمس تروب جسّد هذا الخطاب الثنائي في مقالة نشرها في كانون الأول\\ديسمبر 2014 في مجلة “فورين بوليسي” بعنوان “المنارة تبهت” يصف فيها الإسكندرية بأنها كانت “مرة القلب الكوزموبوليتاني النابض للعالم العربي، لكنها الآن قاعدة السلفيين المصريين، مقر حركة إسلامية متشددة ربطت ثرواتها برئيس البلاد الأوتوقراطي الجديد”. وبعد أن درستُ الحركة السلفية (والتي تُعدَّ الدعوة السلفية ممثلها الرئيسي) في الإسكندرية وكتبت عنها في السنوات القليلة الماضية، أستطيع أن أشهد بأن صعود الحزب، والمنظمة الدينية التي خلفه، مثيران للانتباه ومليئان بالتعقيدات في آن. وهما يستحقان بالفعل الانتباه الصحفي والبحثي. فضلاً عن ذلك، إن وجود الحركة وأهميتها في المدينة يجب ألا يشوّها رؤيتنا للإسكندرية، التي تفور بحركات وديناميات متعددة، وأحياناً تبدو متناقضة ظاهرياً. إن التفكير بالإسكندرية بأنها كانت مرة مدينة كوزموبوليتانية صارت مرتعاً للسلفية اختزالي ومضلل. وكما أشار عمرو علي في محاضرة مؤخراً: “إن إحياء هذه الكوزموبوليتانية السابقة، والإشارة بشكل غير نقدي إليها، فعل واع يتم في ضوء تركيبة ذهنية أمنية”. إن هذه التركيبة الذهنية الأمنية تنظر بهوس إلى مجتمعات الشرق الأوسط من خلال عدسات حركاتها الإسلامية.
لا شك أن هناك حركة سلفية قوية في الإسكندرية. فالدعوة السلفية، العمود الفقري للحزب السلفي الرئيسي (حزب النور)، تأسست في الإسكندرية في السبعينيات، وجعلت المدينة قاعدة لها منذ ذلك الوقت. وقد فاجأ حزب النور النقاد حين احتل المرتبة الثانية بعد الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية المصرية في 2011 بعد أن حصل على 27٪ من الأصوات. وبعد صيف 2013، قرر حزب النور والدعوة السلفية الوقوف مع حكومة عبد الفتاح السيسي المدعومة من الجيش، فيما عارضا بقوة الإخوان المسلمين. وقد تحدت هذه الاصطفافات السياسية المفاجئة كيف نفهم علاقات السلفيين مع الجيش المصري ومجموعات إسلامية أخرى، ولفتت أيضاً انتباهاً معتبراً إلى الحركة السلفية.
حين يدرس الصحفيون الحركة السلفية يتجولون في شوارع حارات ميامي وأبي سليمان أو المندرة، باحثين عن شخصيات تؤكد فكرة مسبقة عن مدينة صارت سلفية ومتجانسة، وتمدّ في عمر فكرة التدهور الدوري للكوزموبوليتانية الإسكندرانية. (4) يناقشون شظايا من تاريخ الإسكندرية، ويسيرون بتوق في دهاليز فندق سيسل، الذي يجسد هذا الماضي الخيالي ومركز هذا النزوع إلى الحفلات في روايات داريل. وما يزالون ينخرطون في التاريخ بطريقة انتقائية غير مدركين، على الأرجح، للدلالات الإقصائية للرؤية الأدبية الكوزموبوليتانية.
من الصعب معالجة الخيال الغربي حول الإسكندرية. ذلك أن العودة إلى حوليات الأدب الأوربي قد تكون إدمانية، وطريقة سهلة لإرواء ظمأ الحنين. وكما يقول عمرو علي، إن “العالم الغربي ينظر إلى الإسكندرية بالطريقة التي ينظر بها العالم العربي إلى قرطبة. إنها تلهب الخيال. فالإسكندرية هي مخطط أو برنامج عمل للحضارة الغربية”. (5) إن الاستغراق في الذكريات عن مقاه مليئة بالأوروبيين (والتي حُظر دخولها على المحليين المصريين الذين ليسوا من النخبة على الأرجح)، وعن سائقي تاكسي يتحدثون اليونانية، وبحارة بريطانيين ينزلون في المرفأ من أجل بعض الراحة، يعني تجاهل تاريخ غالبية الإسكندرانيين. وأكيد أن هذا الحنين إلى الكوزموبوليتانية لا يفعل أي شيء كي يضيء وجود حركة دينية كالسلفية التي، فيما هي متأصلة ومشهورة، ليست متجانسة داخلياً ولا مهيمنة في المجتمع. وتأتي إدامة هذه الطرق في تخيل المدينة على حساب محو فترات طويلة من التاريخ، وتنطوي على مجازفة تمجيد الثقافة الأوربية.
[سينما ريو الإسكندرية. تصوير محمد قطب.]
[سينما ريالتو حيث تقع الكابينا الآن، الإسكندرية. تصوير محمد قطب.]
يستطيع المرء القول إن الإسكندرية تُظهر اليوم عدداً من السمات الكوزموبوليتانية، هذا إذا فصلنا المصطلح عن الدلالة التي ورثها من أعمال داريل وفوستر وكفافيس. فالإسكندرانيون يواصلون الشعور بأنهم ينتمون إلى جماعة كونية في الوطن، لكن طموحاتهم وإبداعهم يتجاوزون في الوقت نفسه حدود مدينتهم، ويدفعونهم إلى إعادة ابتكار طرق لسكن مدينتهم وتاريخها. وتعاود الإسكندرية إحياء الحياة الفنية في أمكنة القرن العشرين الأولى المهجورة التي أعيد تأهيلها وبعثها من جديد وفُتحت للجميع، مثل الكابينة، والتي هي مكان فني لجماعة يقع في غرفة الكونترول المهجورة لسينما ريالتو المغلقة الآن، أو وكالة بهنا، وهي مركز مخصص للسينما يقع في ما كان مرة مكاتب توزيع الأفلام العائدة لعائلة بهنا. وهناك عدد كبير من الكتاب والمترجمين والباحثين الشبان يدعون الإسكندرية وطناً حتى ولو شعروا لوقت وجيز بخيبة أمل في الأزمة التالية للثورة، ويواجهون غالباً العواقب الوخيمة للتوظيف النادر.
إن مدينة مصر الثانية هي موضع لبارات مخبأة من الصعب العثور عليها (مثل سبيت فاير)، وزوايا المساجد (بعض الحارات مثل باكوس فيها دزينات من الزوايا). ذلك أن الإسكندرية موقع مقاومة. فيها أصوات محلية مكافحة (نادراً ما غطاها الإعلام) والكثير من النشطاء العامين مثل ماهينور المصري، وكلهم يواصلون الاحتجاج من أجل إطلاق سراح السجناء السياسيين والدفاع عن اللاجئين والقتال من أجل المجموعات المحرومة من حق الانتخاب. واليوم، يلتقي في الإسكندرية مهاجرون من أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ويهدف كثيرون منهم إلى مواصلة طريقهم إلى أوربا، بينما يقرر البعض البقاء. إن المركّب الإثني والثقافي الجديد للمدينة ليس ناجماً عن الهجرة القسرية فحسب، بل أيضاً عن طرق السفر العالمية الجديدة. وقد التقيت مؤخراً بدزينات من المراهقين الأندونيسيين الذين يرتادون مقاهي جديدة في شارع فؤاد، حيث عاش داريل مرة، وهم يعيشون في الحارة ويدرسون في مركز العربي.
في كتابه الجديد يتحدث سامولي شيلك عن بالغين شبان جاؤوا بالأصل من قرية خارج الإسكندرية، لكنهم إما يعملون في المدينة أو يعيشون في حارة المندرة الشرقية. ومن خلال استقصائه لغموض التزامهم الديني، ولأحلامهم وتطلعاتهم، يحاول استقصاء معنى الكوزموبوليتانية. وفي ضوء هذا العمل الإثنوغرافي يرى الكوزموبوليتانية سيرورة فعل وخيال، متأصلة في “طلاقة الحركة والانتماء إلى العالم”. فالإسكندرانيون هم كوزموبوليتانيون لأنهم “يطمحون إلى جعل الحداثة العالمية لهم، دون أن يصبحوا متجانسين أو مرتبطين بشكل كامل بالمعنى الذي أثارته العولمة”. (6)
إن أحياء الطبقة العليا والسفلى في المدينة، التي تنتشر على الكورنيش وتتنامى في الصحراء، تتاخم بعضها بعضاً على نحو جميل. ذلك أن الإسكندرية توجد خارج الثنائيات المزيفة، دون جيوب طبقية محددة وحدود جغرافية أو تاريخية واضحة. ويعيش الإسكندرانيون في مدينة ساحلية تتسم، بطبيعتها، بحركة الأشخاص والأفكار. وهم فخورون بهويتهم، ومتأصلون في تاريخ كوزموبوليتانية متعددة الطبقات، ويواصلون مد يدهم نحو العالم الذي خارج مدينتهم. وتعيش المدينة صراعاً متواصلاً كي تعرّف هويتها ومستقبلها، وتفهم ماضيها في آن واحد معاً. أما بالنسبة للغرباء، وبعض الموجودين في الداخل (بما أن الحدود دوماً ضبابية)، فإن فهم جوهر المدينة المتغيّر وتجريبه مشروطان برفض الذكريات الاستعمارية حول الكوزموبوليتانية، وتجاوز الرؤى المانوية للتاريخ.
[ترجمه عن الإنجليزية أسامة إسبر]
* يشير عنوان هذه المقالة إلى عنوان فيلم يوسف شاهين لعام 1989 “إسكندرية كمان وكمان“. الفيلم هو الجزء الأخير لفيلم من ثلاثة أجزاء يستقصي السيرة الذاتية. وهو يتبع ”إسكندرية ليه؟“ (1978)، و”حدوتة مصرية“ (1982). ولد شاهين لأم يونانية وأب سوري وأمضى السنوات العشرين الأولى في الإسكندرية. يشكك الفيلم بجوهر ”كونك إسكندرانياً“. إن الجزء الثالث يعبر عن شعور بالضياع، وكما تقول حليم: ”ما يعبر عنه شاهين درامياً في هذه المتتاليات هو ندب المخرج يحيى الذي لم يُحل لتلك الخسارة الفردية التي تتزامن مع إحساس بالهزيمة القومية، وقد أُنجز كل هذا من خلال أيقونات المدينة الهلنستية. وتخدم هذه السيرورة، بدورها، كأداة لتأملات شاهين حول أساس أساطير المدينة. ”هالا حليم“، في كونك إسكندرانياً، ”الأهرام ويكلي“، 11 نيسان، 2002، الطبعة 581.
** أود أن أشكر ماجدة مجدي، وعمرو علي وبويان جيراسيموف لتوجيههم، وتعليقاتهم وللانخراط في نقاش مثمر حول الكوزموبوليتانية والسلفية في الإسكندرية.
————————————————————
هوامش
[1] إن مشاريع الأعمال التي تعود إلى بداية القرن العشرين في الإسكندرية تميل إلى تعزيز نفسها بإشارات نوستالجية مشابهة إلى ماضي الإسكندرية الكوزموبوليتاني. ففي مطعم الشرفة داخل ديليس، والذي كان اصطبلاً في الإسكندرية منذ 1922، يستطيع المرء أن يشاهد الجدران مزينة بالعلامات التجاربة لـ “الإسكندرية الكوزموبوليتانية”. وقد عجّ الفيسبوك مؤخراً بصور قديمة بالأسود والأبيض للإسكندرية، وعادة تظهر أبنية استعمارية، والشاطئ ومنطقة محطة الرمل التي يتشاطرها الإسكندرانيون.
[2] يشير مصطلح عرب كما يُستخدم في هذه الأعمال الأدبية إلى غير الأوربيين، بما فيه المصريين ولكن أيضاً إلى المجموعات التي جاءت من بلدان الشرق الأوسط.
[3] Lawrence Durrell, The Alexandria Quartet: Justine, Balthazar, Mountolive, Clea (London: Faber and Faber, 1968), 49, 55.
[4] Such as in Takis Würger, “Mein Freund, Der Salafist,” Der Spiegel, November 2013.
[5] Ali, “Alexandria and Activism--Translating Memory, Mythology and Utopianism.”
[6] Samuli Schielke, Egypt in the Future Tense: Hope, Frustration, and Ambivalence before and after 2011 (Bloomington: Indiana University Press, 2015), 153.